|
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
12-26-2012, 11:44 AM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
الدراسة والبعثات الخارجية
( أحكام السفر للمسافرين للدراسة في الخارج ) أحكام السفـر للمسافرين للـدراســة في الخـــارج العلامة الشيخ محمد أبن عثيمين رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وحجة الله تعالى على خلقه المبعوث إليهم إلى يوم الدين. وبعد: فقد سألني بعض المسافرين للدارسة في الخارج هل تنقطع أحكام السفر في حقهم أو تبقى حتى يرجعوا إلى بلادهم، فأجبت: بأن قول جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة أنهم في حكم المقيم لا يترخصون برخص السفر، وأن بعض العلماء يقول إنهم في حكم المسافرين فيترخصون برخص السفر، وأن هذا اختيار شيخ الإسلام، ابن تيميه ، وتلميذه ابن القيم، وشيخنا عبد لرحمن بن سعدي، والشيخ عبد لله بن الشيخ محمد بن عبد لوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، وقال عنه شيخنا عبد العزيز بن باز في مجلة الجامعة الإسلامية في العدد الرابع من السنة الخامسة الصادر في ربيع الثاني سنة 1393هـ ص 125 في ركن الفتاوى: (( إنه قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة ) .ا.هـ. المراد منه، وأن ذلك ظاهر النصوص وهو ما نراه. وقد يستغرب كثير من الناس هذا القول، ويظنونه قولا بعيدا عن الصواب، وهذا من طبيعة الإنسان أن يستغرب شيئا لم يتبين له وجهه ، ولكن إذا كشف له عن نقابة، ولاح له وجه صوابه، لان له قلبه وانشرح به صدره، واطمأنت إليه نفسه، وصار هذا القول الغريب عنده من آلف الأقوال. لذلك رأيت أن أكتب ما تيسر لي في هذا الموضوع سائلا الله تعالى أن ينفع به فأقول: المغتربون عن بلادهم لهم ثلاث حالات: الحال الأولى : أن ينوا الإقامة المطلقة في بلاد الغربة كالعمال المقيمين للعمل، والتجار المقيمين للتجارة، وسفراء الدول ونحوهم ممن عزموا على الإقامة إلا لسبب يقتضي نزوحهم إلى أوطانهم فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم وإتمام الصلاة الرباعية والاقتصار على يوم وليلة في المسح على الخفين. الحال الثانية : أن ينووا إقامة لغرض معين غير مقيدة بزمن فمتى انتهى غرضهم عادوا إلى أوطانهم، كالتجار القادمين لبيع السلع أو شرائها أو القادمين لمهمات تتعلق بأعمالهم الرسمية، أو لمراجعة دوائر حكومية ونحوهم ممن عزموا على العودة إلى أوطانهم بمجرد انتهاء غرضهم فهؤلاء في حكم المسافرين وإن طالت مدة انتظارهم فلهم الترخص برخص السفر من الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية، ومسح الخفين ثلاثة أيام، وغير ذلك ولو بقوا سنوات عديدة هذا قول جمهور العلماء بل حكاه ابن المنذر إجماعاً. لكن لو ظن هؤلاء أن غرضهم لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر كما لو ظنوا أنه لا ينتهي إلا بعد أربعة أيام مثلا فهل لهم الترخص على قولين ذكرهما في الإنصاف 330/2 وقال على القول بالجواز جزم به في الكافي، ومختصر ابن تميم، قال في الحواشي: وهو الذي ذره ابن تميم وغيره. أ هـ . الحال الثالثة : أن ينووا إقامة لغرض معين مقيدة بزمن ومتى انتهى غرضهم عادوا إلى أوطانهم، فقد اختلف أهل العلم –رحمهم الله- في حكم هؤلاء : فالمشهور من مذهب الحنابلة أنهم إذا نووا إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقهم، فلا يترخصون برخصة من الفطر، والقصر، والمسح ثلاثة أيام، وقيل: إن نووا إقامة أربعة أيام أتموا، وإن نووا دونها قصروا، قال في المغني 288/2 : وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور قال : وروي هذا القول عن عثمان –رضي الله عنه- وقال الثوري، وأصحاب الرأي: إن أقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم وإن نوى دون ذلك قصر .أ هـ .وهناك أقوال أخرى ساقها النووي في شرح المهذب. 219/220 تبلغ عشرة أقوال وكلها أقوال متقابلة اجتهادية ليس فيها نص يفصل بينها، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 137/24 : (( فمن جعل للمقام حدًّا من الأيام إما ثلاثة، وإما أربعة، وإما عشرة، وإما اثني عشر وإما خمسة عشر فإنه قال قولا لا دليل عليه من جهة الشرع، وهي تقديرات متقابلة، فقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: إلى مسافر، وإلى مقيم مستوطن وهو الذي ينوي المقام في المكان، وهذا هو الذي تنعقد به الجمعة وتجب عليه، وهذا يجب عليه إتمام الصلاة بلا نزاع فإنه المقيم المقابل للمسافر، والثالث مقيم غير مستوطن أوجبوا عليه إتمام الصلاة، والصيام، وأوجبوا عليه الجمعة، وقالوا: لا تنعقد به الجمعة وقالوا إنما تنعقد الجمعة بمستوطن، وهذا التقسيم وهو تقسيم المقيم إلى مستوطن وغير مستوطن تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع. أ هـ كلامه .وحيث إن هذه الأقوال ليس لها دليل يفصل بينها فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه ، وتلميذه ابن القيم، والشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي ذهب هؤلاء إلى أن حكم السفر لا ينقطع في هذه الحال فيجوز لأصحابها أن يترخصوا برخص السفر. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 184/24: (( وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله إلا مقيم، ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة ) . وفي الاختيارات 72-73 : (( وتقصر الصلاة في كل ما يسمى سفرا سواء قل أو كثر، ولا يتقدر بمدة ) إلى أن قال: (( وسواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو لا، وروي هذا عن جماعة من الصحابة ) .وفي الفروع لابن مفلح 64/2 قال أن ذكر الخلاف فيما إذا نوى المسافر الإقامة مدة معينة قال : (( واختار شيخنا وغيره القصر والفطر، وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة ) . أ هـ . وابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه وهو من أعلم الناس بأقواله وفتاويه، حتى قيل إن ابن القيم يرجع إليه في ذلك أحيانا . وفي الإنصاف عن الشيخ ما في الفروع.وقال ابن القيم في زاد المعاد 29/3 أثناء كلامه على فوائد غزوة تبوك (ومنها:أنه صلي الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة,ولم يقل للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك,ولكن اتفقت إقامته هذه المدة,وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر,سواء طالت أو قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على إقامة بذلك الموضع,وقد اختلف السلف والخلف في ذلك اختلافاً كثيراً), وذكر تمام الكلام. وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جواب في الدرر السنية 372/ (وأنت رحمك الله إذا تأملت هديه صلي الله عليه وسلم في أسفاره,وأنه يقيم في بعضها المدة الطويلة والقصيرة بحسب الحاجة والمصلحة,ولم ينقل أحد عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: إذا أقام أحدكم أربعة أيام في مكان أو بلد أو أكثر أو أقل من ذلك فليتم صلاته,وليصم,ولا يترخص برخص السفر التي جاءت بها الشريعة السمحة,مع أن الله تعالى فرض عليه البلاغ المبين,فبلغ الرسالة,وأذى الأمانة,ونصح الأمة,وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين,وتبين لك أن الصواب في المسألة ما اختاره غير واحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أن المسافر يجوز له القصر والفطر ما لم يجمع على إقامة استوطن (كذا في الطبعة القديمة وفي الجديدة (أو يستوطن) وكأن فيها تعديلاً)فحينئذ يزول عنه الحكم السفر,ويكون حكمه حكم المقيم,وهذا هو الذي دل عليه هديه صلي الله عليه وسلم كما قال بن قيم – رحمه الله – في الكلام على فوائد غزوة تبوك ) ثم نقل كلام ابن القيم إلى أن قال 375((فإذا تقرر أن إقامة المسافر مدة غير معلومة,أو معلومة لكنه لم ينو الاستقرار والاستيطان أن ذلك لا يقطع حكم السفر بقي الكلام في استحباب الصيام في السفر,أو جوازه)وذكر تمام الكلام,وبهذا الكلام يظهر أن صواب العبارة الأولى (ما لم يجمع على إقامة ويستوطن) كعبارة صاحب الفروع فيما نقله شيخه.وقال الشيخ محمد رضا في فتاويه جمع صلاح الدين المنجد 1180/3((وإنما يسألنا عن الراجح المختار عندنا فيها فنحن نصرح له به تصريحاً مع بيان أننا لا نجيز لأحد أن يقلدنا فيه تقليداً وهو أن المسافر الذي يمكث في بلد أربعة أيام أو أكثر وهو ينوي أن يسافر بعد ذلك منها لا يعد مقيماً منتفياً عنه وصف السفر واتخاذ سكن له في ذلك البلد,وإن لم يتم له فيه إلا يوم أو بعض يوم) إلى أن قال ( فالمكث المؤقت لا يسمى إقامة إلا بقيد التوقيت).ا هـ .وقال شيخنا عبد الرحمن السعدي في المختارات الجلية 47(والصحيح أيضاً أن المسافر إذا أقام بموضع لا ينوي فيه قطع السفر فإنه مسافر وعلى سفر,وإن كان ينوي إقامة أكثر من أربعة أيام).أ هـ .وقال شيخنا عبد العزيز بن باز في جواب له صدر في العدد الرابع من مجلة الجامعة الإسلامية من السنة الخامسة في ربيع الثاني سنة 1393هـ عن القول بأنه يقصر ما لم ينو الاستيطان وإنما أقام لعارض متى زال سافر((هو قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة),وقال عن الإتمام (إنه قول الأكثر وأخذ بالأحوط).وهذا القول الذي ذهب إليه هؤلاء العلماء الأجلاء هو القول الراجح عندي؛لأنه مقتضى دلالة الكتاب,والسنة,والآثار,والن� �ر والقياس: أما الكتاب:فقد قال الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ )(النساء: من الآية101) فأطلق الله تعالى الضرب في الأرض وعمم في وقته,والضرب في الأرض هو السفر فيها ويكون الجهاد والتجارة وغيرها, قال الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا )(النساء: من الآية94) وقال تعالى: ( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )(المزمل: من الآية20) فإذا كان الله تعالى قد أباح القصر للضاربين أن منهم من يبقى أياماً وشهوراً للقتال والحصار,وبيع السلع وشرائها كما هو الواقع,ولم يستثن الله – عز وجل – ضارباً من ضارب ولا حالا من حال.إذا كان الأمر كذلك علم أن الحكم لا يختلف من ضارب إلى ضارب,ولا في حال دون حال,ولو كان ثمة ضارب,أو حال تخرج من هذا الحكم لبينه الله تعالى في كتابه,أو لسان رسوله,لأن الله تعالى أوجب بفضله على نفسه البيان فقال الله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) (الليل:12) وقال: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة,الآيتان:18,19) وبيانه شامل لفظه وبيان معناه وحكمه.ولو كانت ثمة ضارب,أو حال تختلف عن هذا الحكم لكان حكمها المخالف من شرع الله تعالى,وإذا كان من شرعه فلا بد أن يحفظ وينقل إلينا كما قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) وهو شامل لحفظ لفظه وما يتضمنه من الأحكام فلما لم يحفظ ذلك حكم المخالف ولم ينقل علم أنه لا وجود له.وهذه القاعدة تنفعك في هذه المسألة وغيرها وهي:كأن كل نص جاء مطلقاً,أو عاماً فإنه يجب إبقاؤه على إطلاقه وعمومه حتى يقوم دليل على تقييده وتخصيصه لقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً )(النحل: من الآية89) فلو كان مقيد,أو مخصص لما ورد مطلقاً أو عاماً لبينه الله تعالى. وأما السنة ففيها أدلة: الأول:ما ثبت في صحيح البخاري عن جابر,وابن عباس – رضي الله عنهم – قالا (قدم النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه صبح رابعة مضت من ذي الحجة مهلين بالحج), الحديث. وكان النبي صلي الله عليه وسلم في حجته يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة,قال أنس بن مالك – رضي الله عنه – (خرجنا مع النبي صلي الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة,فكان يصلي ركعتين، ركعتين, حتى رجعنا إلى المدينة) . متفق عليه. وفي رواية لمسلم (خرجنا من المدينة إلى الحج). ووجه الدلالة منه:أن النبي صلي الله عليه وسلم أقام إقامة لغرض الحج مقيدة بزمن معين,حتى رجع إلى المدينة,فدل ذلك على أن الإقامة لغرض معين متى انتهى رجع إلى وطنه لا ينقطع بها الحكم السفر وإن كانت المدة محددة. فإن قلت:إنما أقام النبي صلي الله عليه وسلم قبل الخروج إلى منى أربعة أيام وهذه المدة لا ينقطع بها حكم السفر. الجواب أن يقال:من أين لك العلم بأن النبي صلي الله عليه وسلم لو قدم في اليوم الثالث من ذي الحجة فأقام خمسة أيام لم يقصر؟! بل الظاهر الغالب على الظن أنه لو قدر حينئذ لقصر؛لأن قدومه لليوم الرابع وقع اتفاقاً لا قصد بلا ريب,وما وقع اتفاقاً لم يكن مقصوداً فلا يتعلق به حكم منع أو إيجاب. ويقال ثانياً:من المعلوم أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يعلم أن من الحجاج من يقدم في اليوم الثالث,والثاني,والأول من ذي الحجة,بل قبل ذلك,فالحج أشهر معلومات تبتدئ من دخول شوال,ولم يقل للأمة(من قدم قبل اليوم الرابع من ذي الحجة فليتم صلاته)ولو كان هذا حكم الله تعالى في خلقه لبينه النبي صلي الله عليه وسلم لوجوب البلاغ عليه,ودعاء الحاجة إلى بيانه,والقول بأن هذا حكم الله تعالى مع سكوت النبي صلي الله عليه وسلم عن بيانه,الموجود مقتضيه قول فيه نظر لا يخفى. فإن قلت:إذن فما وجه احتجاج المحددين بأربعة أيام بهذا الحديث؟ فالجواب:أن وجه احتجاجهم به قولهم:إن مجرد الإقامة ينقطع بها السفر خولف في الأيام الأربعة لورود النص به فبقي ما زاد على ذلك الأصل وهو انقطاع السفر. وهذه الدعوى ممنوعة شرعاً وعرفا,وقال شيخ الإسلام الفتاوى جمع ابن قاسم 140/ (وهذا الدليل مبني على أنه من قدم المصر فقد خرج عن حد السفر وهو ممنوع,بل هو مخالف للنص, والإجماع ,والعرف).أ هـ . أما وجه منعها شرعاً:أقام النبي صلي الله عليه وسلم بمكة في حجة الوادع عشرة أيام كما ذكره أنس بن مالك – رضي الله عنه – أربعة قبل الخروج إلى منى وستة بعد ذلك,وأقام بها في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً وأقام في تبوك عشرين يوماً, وكان يقصر الصلاة مع هذه الإقامات المختلفة. وأما وجه منعها عرفاً:فإن الناس يقولون في الحاج إنه مسافر للحج,وإن كان قد سافر في أول أشهر الحج,ويقولون للمسافر للدراسة أنه مسافر إلى الدراسة في الخارج ونحو ذلك فيسمونه مسافر وإن كان مقيماً لغرضه الذي يريده مدة معينة,وعلى هذا فالأصل أن المسافر باق سفره حقيقة وحكماً حتى يقطعه باستيطان أو إقامة مطلقة. الدليل الثاني من السنة:ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما - (أن النبي صلي الله عليه وسلم أقام بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين) وفيه عن ابن عباس أيضاً قال (صام رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى إذا بلغ الكديد – الماء الذي بين قديد وعسفان – أفطر فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر). وفي هذين الحديثين القصر والفطر مع إقامة تزيد على أربعة أيام. الدليل الثالث:ما رواه جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي صلي الله عليه وسلم : ( أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة). أخرجه أبو داود والبيهقي وأعله بتفرد معمر وصله,لكن قال النووي:هو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم,وتفرد معمر بوصله لا يقدح فيه فإنه ثقة حافظ .ا هـ . ففي هذا الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم قصر مع أنه أقام عشرين يوماً.فلما ثبت قصر النبي صلي الله عليه وسلم في هذه الأحاديث مع اختلاف المدد التي أقامها علم أن تحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر بأيام معلومة قول ضعيف,ولو كان الحكم مختلفاً بين مدة وأخرى لبينه النبي صلي الله عليه وسلم لأمته لئلا يتأسوا به فيما لا يحل لهم. فإن قلت:إن النبي صلي الله عليه وسلم قصر في غزوة الفتح,وفي غزوة تبوك فيما زاد أربعة أيام؛ لأنه لم يعزم على إقامة هذه المدة,فهو يقول أخرج اليوم,أخرج غداً,حتى تمادى به الأمر إلى هذه المدة, فالجواب أن يقال:من أين لك أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعزم على ذلك؟وهل يمكنك أن تشهد على رسول الله صلي الله عليه وسلم بهذا؟مع أن العزم قصد القلب,ولا يطلع عليه إلا بوحي من الله تعالى,أو إخبار من العازم ولم يحصل واحد منهما في هذه المسألة فتكون دعوى أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعزم الإقامة هذه المدة قولاً بلا علم. ويقال ثانياً:بل الظاهر الذي يغلب على الظن أن النبي صلي الله عليه وسلم كان عازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام,قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 136/24 (وأقام (يعني النبي صلي الله عليه وسلم)في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة, و أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة,ومعلوم بالعادة أن ما كان يفعل بمكة وتبوك لم يكن ينقضي في ثلاثة أيام ولا أربعة حتى يقال إنه كان يقول:اليوم أسافر,بل فتح مكة,وأهلها وما حولها كفار محاربون له,وهي أعظم مدينة فتحها,وبفتحها ذلت الأعداء,وأسلمت العرب وسرى السرايا إلى النواحي ينتظر قدومهم,ومثل هذه الأمور مما يعلم أنها لا تنقضي في أربعة أيام,فعلم أنه أقام لأمور يعلم أنها لا تنقضي في أربعة وكذلك في تبوك ). وذكر نحو ذلك تلميذ ابن القيم في زاد المعاد 30/3 وأن في حمله على أنه لم يجمع الإقامة نظراً لا يخفى. فإذا تبين ضعف القول بتحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر بأربعة أيام أو نحوها فإن أي مدة تزيد على ذلك في تحديد مدة الإقامة التي تمنع الترخص برخص السفر تحتاج إلى دليل,فإذا قال قائل:إذا نوى إقامة شهر أتم,وإن نوى دون ذلك قصر,قيل:ما دليلك على ما قلت؟وإذا قال الآخر:إذا نوى إقامة سنة أتم,وإن نوى دون ذلك قصر,قيل له أين الدليل لما قلت؟وهكذا. وحينئذ يكون مناط الحكم هو المعنى والوصف فما دام الإنسان مسافراً مفارقاً لو طنه فأحكام السفر في حقه باقية ما لم يقطعه باستيطان أو إقامة مطلقة,وأنت لو سألت المغتربين من أصحاب هذه الحال هل نويتم الاستيطان,أو الإقامة المطلقة لقالوا:لا,وإنما ننتظر انتهاء مهمتنا,فمتى انتهت رجعنا إلى أو طاننا سواء انتهت في الوقت المقرر,أم قبلة,فليس لنا غرض في الإقامة في هذا المكان أو البلد وإنما غرضنا الأول والأخير الحصول على مهمتنا,فهم مشابهون في القصد لأصحاب الحال الثانية,وإن كانوا يختلفون عنهم بتحديد مدة الإقامة التي قد علم بمقتضى الأدلة السابقة إنها ليست مناط الحكم,ولهذا جعل شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى – الحكم فيهما واحداً كما نقله عنه تلميذه ابن مفلح في كتاب الفروع. وبهذا يتبين لك الفرق بين أصحاب هذه الحال والحال الأولى؛لأن أصحاب هذه الحال لم ينووا إلا لهذا الغرض,أما أصحاب الحال أولى فقد نووا الإقامة المطلقة إلا أن يحصل لهم ما يقتضي الخروج,والفرق بين مدة الإقامة إلا أن يحصل له ما يقتضي الخروج,وبين من يريد الخروج لو لا ما تقتضي الإقامة فرق ظاهر لمن تأمله. فإن قلت:إن بعض المغتربين من أصحاب هذه الحال يصطحبون زوجاتهم,وربما يتزوجون في أماكن غربتهم,أو يشترون بيوتاً للسكنى . فالجواب:أن اصطحاب الأهل والزوجات غير مؤثر في الحكم,فإن النبي صلي الله عليه وسلم قد اصطحب زوجاته في حجة الوداع,وكان من هديه:إذا أراد سفراً أن يقرع بين زوجاته فأيتهن خرج سهمها خرج بها. ومع هذا قصر في حجته وكان يقصر في كل أسفاره. وأما التزوج في مكان الغربة فإن كان المتزوج يقصد طلاقها عند مغادرته – وقلنا بصحة هذا العقد – فإنه لم يتأهل التأهل المطلق بل هو تأهل مقيد,وهو لا يؤثر على حال المتزوج. وإن كان المتزوج يقصد بقاء النكاح وحمل زوجته معه,فإنه أيضاً لم يقصد اتخاذ هذا المكان مقراً ووطناً له,بل يريد مغادرته بأهله بمجرد انتهاء غرضه. وانتبه لقولي (يقصد طلاقها) وقولي (وقلنا بصحة هذا العقد)لأن محترز القيد الأول يكون شرط طلاقها في العقد عند انتهاء المدة,أو تزوجها إلى أجل ينتهي بالمدة فإنه في هذه الحال يكون نكاح متعة محرماً فاسداً لا تستحل به الفروج . أما محترز القيد فهو أن بعض أهل العلم يرى أن نية الطلاق كشرطه قياساً على نية التحليل,وعلى هذا فلا يصح العقد وعلى القول بصحة العقد فإن هذه النية في العقد حرام على المتزوج لما فيها من خديعة الزوجة وأهلها فإنهم لو علموا بنيته هذه لم يزوجوه في الغالب.وأما شراء البيوت فإنما يشترونها لسكناها إلى انتهاء غرضهم لا للإقامة المطلقة فهم بمنزلة المستأجر الطاعنين لا المستوطنين. وأما الآثار:فروى مسلم في صحيحه عن موسى بن سلمة الهزلي قال:سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟قال (ركعتين سنة أبي القاسم صلي الله عليه وسلم). وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي جمرة نصر بن عمران قال:قلت لا بن عباس:إنا نطيل المقام بخراسان فكيف ترى؟قال (صل ركعتين وإن أقمت عشرين سنين). وروى الإمام أحمد في مسنده عن ثمامة بن شراحيل قال:خرجت إلى ابن عمر فقلت:ما صلاة المسافر؟قال:ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً.قلت:أرأيت إن كنا بذي المجاز؟قال:وما ذو المجاز؟ قلت:مكان نجتمع فيه ونبيع فيه نمكث عشرين ليلة,أو خمس عشرة ليلة,قال:يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال أربعة أشهر,أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين,ورأيت نبي الله صلي الله عليه وسلم نصب عيني يصليها ركعتين ركعتين,ثم نزع هذه الآية: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21) وروى البيهقي عن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال (ارتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة,وكنا نصلي ركعتين),قال النووي وهذا سند على شرط الصحيحين. ورواه عبد الرزاق بلفظ (أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة). وروى عبد الرزاق عن الحسن قال:كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يجمع ولا نزيد على ركعتين. وروى أيضاً من أنس بن مالك – رضي الله عنه - :-((أنه أقم بالشام شهرين مع عبد الملك مروان يصلي ركعتين، ركعتين), وذكر في المغني,والفتاوى,وزاد المعاد أن أنس بن مالك – رضي الله عنه – ((أقام بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر). وروى البيهقي عن أنس بن مال – رضي الله عنه - (أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة),قال النووي:إسناده صحيح, وقال ابن حجر:صحيح. فهذا آثار عن أربعة من الصحابة عبد الله بن عباس,وعبد الله بن عمر,وعبد الرحمن بن سمرة,وأنس بن مالك كلها تدل على جواز القصر مع المدة الطويلة.وفي صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال (أقام النبي صلي الله عليه وسلم تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا). وهذا يخالف ما أفتى به نصر بن عمران فيكون لابن عباس – رضي الله عنهما – في ذلك قولان. وأما الآثار عن التابعين:فمنها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن علقمة وهو من أصحاب ابن مسعود أنه أقام بخوار زم سنتين فصلى ركعتين. وروى عن أبي وائل أنه خرج مع مسروق إلى السلسة فقصر وأقام سنتين يقصر,قلت :يا أبا عائشة ما يحملك على هذا؟قال: التماس السنة وقصر حتى رجع . وروي عن معمر عن أبي إسحاق قال:أقمنا مع وال قال:أحسبه بسجستان سنتين,ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود,فصلى بنا ركعتين، ركعتين حتى انصرف,ثم قال:كذلك كان ابن مسعود يفعل. وروي عن الشعيب أنه قال (كنت أقيم سنة أو سنتين أصلي ركعتين,أو قال:ما أزيد على ركعتين ). فهذه آثار عن جماعة من التابعين وكلها تدل على جواز القصر مع المكث الطويل. وأما النظر فيقال:لو نوى نية إقامة مدة تزيد على أربعة أيام أو خمسة عشر يوماً, أو غير ذلك مما ذكر في تحديد المدة قاطعة لحكم السفر لكانت إقامة هذه المدة بالفعل قاطعة له أيضاً,بل أولى لأن وجود الإقامة القاطعة بالفعل أبلغ في التأثير من نيتها لو قدر أن للنية تأثيراً؛لأن الإقامة إذا حصلت لم يمكن رفعها,بخلاف نيتها فإنه يمكن فسخها وتجديد نية للسفر,ولهذا كان أحد أقوال الشافعية أن المسافر إذا أقام المدة التي تقطع نيتها حكم السفر لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة,وهذا عين الفقه والنظر الصحيح ,فإنه إذا كانت إقامته هذه المدة غير مؤثرة كان مقتضى النظر الصحيح أن لا تؤثر نيتها,وإن كانت نيتها كان وقوعها بالفعل أولى بالتأثير. |
||||||||||||||||||||||||||||||||